السبت، أبريل 09، 2011

ايها العلمانيون .. ماذا تريدون ؟!




الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
من أفضل ما ابرزته ثورتنا المباركة : أنها عرت الوجوه الصفيقة .. وكشفت القلوب المريضة .. وفضحت الألسنة الكاذبة
ولست هنا في معرض الكلام عن الصحافة ( الصفراء ) التي ما تركت الكذب والتزوير إلا مضطرة .. وما زال بعضها ( يحنُّ ) الى طبعه الاول ، فيلفِّق .. ويدعي .. ويكذب .
ولست بمتكلم أيضاً عن اساتذة ( التلون ) و ( النفاق ) من بعض الاعلاميين وواجهات النظام البائد ،، الذين كانوا يدمنون الطبل والزمر بل و (الرقص) ل(فرعونهم ) قبل غرقه .. ثم هم الان يتقمصون - وببراعة كالعادة - شخصية البريء والمغرر به ، والمضطر المجبر .
لكني أقصد - وبكل أسى وأسف من كثرت أعدادهم وعلت أصواتهم في مجتمعنا ممن يدعون ( النخبة المثقفة ) و ( الصفوة المفكرة ) في مجتمعنا المصري من اليساريين والعلمانيين ،، تلك النخبة التي تنسب نفسها إلى التمدن والتحضر والرقي ،، و تترنم ليل نهار بالحرية ،، والديموقراطية ،، وقبول الرأي الاخر ،، 
أقصد هؤلاء متسائلاً : أين هي الديموقراطية من افعالكم ؟؟ وأين هي الحرية مما تدعون اليه ؟؟ وأين قبول الرأي الاخر من مواقفكم الغريبة ؟؟ 
حينما كان البعض يدعو للموافقة على التعديلات الدستورية كنا نرى البعض الاخر يتذمر .. ويتضايق ، ولسنا ندري لماذا ؟؟ما دمتم أصحاب فكر ومبدأ تدعون اليه بحرية واحترام ، فلماذا تحرّمون علينا ان نكون مثلكم : أصحاب مبادئ وافكار ندعو اليها وبحرية ؟؟ لماذا تعترض علي وتحرمني حقاً نحن فيه سواء بحكم ديموقراطيتك وبحكم قانون الدولة ؟؟ واذا كانت حركتي ووسيلتي للدعوة لمبدأي وترويجه مشروعة وقانونية فماذا يضيرك منها ؟؟ 
هل العيب اني املك من الوسائل ما لا تملك ولو كنت قد حصلت ذلك باجتهادي وهمتي ؟؟ 
هل العيب اني منظم ؟؟ فما الذي جعلك مهلهلاً وفوضوياً ؟؟ أم هل ديموقراطيتك حكرٌ على ( الفوضويين) ؟؟ هل العيب أني مستعدٌ لخوض انتخابات نزيهة حرة بينما انت غير مستعد ؟؟ وهل (فكرك الراقي ) يشترط على المجتمع أن يوقف عجلته لينتظر المتأخر حتى يتقدم ويعدَّ نفسه لخوض السياسة وغمارها ؟؟ 
ثم ما الذي أرقدك طيلة هذا السنين الماضية ؟؟ ألسنا في ( الميلاد السياسي ) سواءً ؟؟ وبداية عملنا كانت معا ؟؟ طبعاً ستكون متعللاً بالزمن البائد وظلم نظامه .. وان كان لك في ذلك العذر ، فليس العيب عليَّ ان تحركت رغم القيد وتحديت الصعاب وضحيت بالأموال والانفس ،، ولم أرضخ لظلم أو جبروت .
أما إن كنت ايها ( المعترض المتحفظ ) من حديثي العهد بالسياسة ودروبها والعمل لها ، فمالك لا تصبر حتى تعصرك التجربة ، وتصقلك الاحداث ، وتقوم مسيرتك الايام ؟؟ ومتى كان الحزب الذي يبنى في ستة اشهر أو عام ويركز فيها على الدعاية الانتخابية والاعمال الخدمية يستطيع ان يشارك في هذه المعركة السياسية الحامية داخليا وخارجياً ، خاصة في هذه الدولة التي هذه ظروفها ؟ 
أولم تعلمكم ( ديموقراطيتكم وحداثتكم) أن (النظرية المعرفية) شيء ، بينما الحياة العملية شيء اخر ؟! خاصة حينما يكون الامر مرتبطاً بمصير أمة ..أم تر يدون أن( تجربوا حظكم ) فينا وتطبقوا ( مشاريع نظرياتكم ) علينا ؟! ثم أن كنت انا بدوري قد اثبت لك حسن نيتي وعدم رغبتي في إقصاء غيري أو استئصاله ،، وأعلنت مبادرتي في ائتلاف يجمعني وإياك في قائمة واحدة لأجل مصلحة الوطن ، فما الرأي بعد كل ذلك ؟!
غير أنَّ الامر - حين التأمل - يبدوا أبعد من ذلك ، فليست القضية اذن قضية رأي يحترم رأياً اخر، ولا مجتمع يُرادُ بناءه على اسس الديموقراطية والتعددية والحرية ..انما الحقيقة غير ذلك، ودعنا نعرض عن التصريح بها ،، فالأيام حُبالى ،، وهي كفيلة بكشف (مستور الامور ) .بل يكفينا في ذلك أن نحسن الظن فنقول : مخاوفكم من أن يأتي الاسلام ،، ويصل الى حكم مصر ،، أو حتى غيرها من الدول .
وهنا قد يعترض البعض فاراً من تهمة الخوف من الاسلام .. ليكرر ذات ( الأحجية المتهافتة ) أن الخوف ليس إلا من (الدولة الدينية).
ورغم اننا كثيراً ما ردَّدنا وكررنا ( حتى تصدعت رؤوسنا ) انه ليس في الاسلام دولة دينية،، وإنما دولة الاسلام ( دولة مدنية ) - بل هي أول دولة مدنية في التاريخ - لكنهم لا يقرون بذلك، بل - على العكس - يريدون أقناعنا جميعا ان الدولة الاسلامية ليست الا دولة دينية ، وها نحن نعود فنقول ونؤكد : ليس في شريعة الاسلام ولا نظامه السياسي ( ممثل للإله ) ولا ( كرسي اعتراف ) ولا ( صك غفران )، والأنموذج الذي يكمن في رؤوسكم عن دولة الطغيان الكنسي الاوروبي والاقطاعية الطبقية والكهنوت ومحاكم التفتيش التي تنصب لكل من يفكر وتفتك بكل من يخالف ،، والتي اخمدت نارها الثورة الفرنسية التي تعدُّونها بداية النهضة الغربية الحديثة ،، هذا النموذج ليس عندنا في الاسلام مثله أبداً  وكل من يدعي ذلك فهو جاهل بالإسلام وتاريخه ومسيرته ، أو حاقد عليه يلبس الحق بالباطل ، وسيرة نبي الاسلام وخلفائه الراشدين موجودة فأقرأوها بعين الانصاف لتروا بأعينكم .
أما عن حجة الاقباط وحقوقهم .. فلا يوجد عاقل على وجه الارض يستطيع ان يثبت أن القبط أمنوا في عيشهم واطمأنوا على حياتهم في مصر بل وفي غيرها قدر ما حدث لهم ذلك في ظل دولة الاسلام ،، وقارئ التاريخ ( النظيف لا المحرف ) يرى ذلك رأي العين .
ومن الانصاف أن نذكر ان هذه الشبهات ليست تثار من جميع القبط بمصر ، بل ما زال فيهم من يتأمل الحق وينصف ، ومن طالع كلام الاستاذ الدكتور وديع فرج استاذ القانون المدني ووكيل كلية الحقوق بالقاهرة منذ الخمسينيات لتأكد له أن في القبط نماذج تقول الحق وتحفظ الأمانة العلمية  (*).
لكن برزت هذه الآونة أصوات غريبة على قبط مصر ، وما نراها إلا نعقات بعض ( الحركات التنصيرية ) التي تعشق الفوضى في البلاد لتقوم بدورها المشبوه والتي تخيل للعامة من قبط مصر انهم يعيشون تحت ( الغزو الاسلامي الغاشم ) الذي سلبهم بلادهم وإرادتهم وينبغي عليهم ان يستعيدوها .. وتسعى (لسودان أخرى ) تمزقها بين شمال وجنوب ،، تحت حماية المسيحية الغربية المتحالفة مع الصهيونية العالمية ،، وما تكرُّمُ قداسةِ ( بابا الفاتيكان ) على اليهود بتبرئتهم من دم المسيح عليه السلام - رغم يقينه أنهم قاتِلوه حسب ديانتهم وكتبهم المقدسة والذي حقق لهم حلمهم الذي طالما حلموا به إلا دليلاً صارخاً على ذلك ، لكن (الغاية ) في دين المسيحية الغربية تبرر (الوسيلة ) ولو كان على حساب تحريف الدين ،، وتكذيب التاريخ .. 
ألا فليعلوا صوت المنصفين العقلاء من الاقباط بمصر ، حتى يخفت صوت هذه القلة التي لا توقِّر أغلبية ولا مبادئ ولا قوانين ،، والتي تمد يدها - في خيانة صريحة - لتصافح ايادٍ ملوثة بدماء الابرياء والاطفال والعجزة بالعراق وفلسطين من مسيحيين ومسلمين 

وبعد فإن الامر لم ولن يقف عند هذا الحد ،، فإن جعبة القوم ما زالت ملأى بما ينبئ عما في سرائرهم ،، فَلَترين من فعالهم الغرائب ، ومن أقوالهم العجائب : ما يجعلك تدرك - وبلا شك - أنهم لا يريدونها إلا دولة ردة لا تعرف دينها .. ولا ترتبط بأعرافها أو تقاليدها ،، منسلخة من قيم ومبادئ الأخلاق ونقاء الفطرة ،، متشحة بزي الخلاعة والمجون ،، نساؤها باسم الحرية عرايا بغايا ،، وشبابها بحجة الرقي والتحضر مخنثون ومثليون وشذوذيون .
هذا هو المجتمع الذي يحلم به العلمانيون واليساريون ،، مجتمع له بريق ولمعان ،، لكن لا اعتبار فيه لدين ، وإن وُجِدَ ، فالدين لله والملك والحكم والسياسة لقيصر ، مجتمع لا رابطة فيه ، وإن وُجِدَ ، فليس إلا على اساس النفعية والمادية البحتة ، مجتمع ماتت فيه الروح ،، ودفنت فيه القيم ،، وتجسدت فيه القسوة ،، وضرب مثلاً للفوضى الروحية التي تجلب الشقوة وتخلق اليأس وتنهي حياة الالاف بالانتحار ،، أهذا مجتمع يقلد ويتخذ قدوة ، ويصلح لحياة الادميين ؟؟ أم هو مجتمع غابة لا يصلح الا للبهائم والانعام ؟؟!!
وختاماً : إن كنتم تؤمنون أن الدين لا طاقة له بالحكم ، فقد يصدق كلامكم هذا حينما تقصدون به ديناً غير الاسلام ،، أما الاسلام : فشريعته تمتلك ما يؤهلها لقيادة العالم ،، وإقامة الحياة الحرة الجامعة بين قوة الجسد ومتعته ،، وغذاء الروح ولذتها ، واحتضان سائر فصائل المجتمع من اتباع هذا الدين وغيره بإعطاء كلٍ حقَّه دون ظلم أو محاباة ، ونشر العدل والرخاء والامان والطمأنينة في ربوع الدنيا ،، وسلوا الاندلس وقرونها الثمانية تنبؤكم بصدق ما نقول .

وها نحن ذا نتحدى ونقول : ايتونا بأنموذج واحد تنتسبون إليه قد استطاع أن يقيم دولة العدل بذات المعايير - لا أقول التي نص عليها ديننا الخاتم - بل التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية ، التي يصدع الغرب بها رؤوسنا ليل نهار .
ويكفيني أن أذكركم أن دولتكم العظمي التي تريدوننا نسخة منها (أمريكا) ما قامت إلا على دماء وأشلاء شعب كامل هم الهنود الحمر الذين قتلت منهم مائة مليون واستعبدت باقيهم الى جانب الالاف المؤلفة من غيرهم لتستعملهم وتذلهم في بناء أمريكا العملاقة التي ترونها الان ، وتاريخها الاستعماري غني عن التعريف والوصف بما فيه من فظائع وإبادات ومجازر ونهب للثروات ، وها هي الان مفضوحة أمام القاصي والداني والصغير والكبير ، بل قد بدأ عدها التنازلي تجاه الهاوية والانهيار ،، وتلك سنة الله التي لا تتخلف (وتلك الايام نداولها بين الناس) ..
                                                           والله الموفق والهادي اليه سبيلاً 
__________________________
* أجرت معه جريدة "الإخوان المسلمون" في عام 1954م في عددها الأول السنة الأولى حوارًا حول الشريعة الإسلامية جاء فيه ((وكل من درس الشريعة الإسلامية وتعمق في دراستها لا بد أن يحترمها ويؤمن بصلاحياتها ومجاراتها لكل عصر، وأن أساس الفكرة الخاطئة عن الشريعة الإسلامية عند بعض الناس هو جهلهم بقدرها وأصولها.  وأستطيع أن أجزم بأن السياسة الشرعية من أخصب المصادر التي تمدنا بالتشريعات، والقوانين اللازمة لنا.ثم إن من يفسر أسس هذه الشريعة طبقًا لأصول الثقة لا يمكن أن تقف أمامه عقبة ما ولا يدخله أي شك في أن الشريعة الإسلامية أنفع وأجدى لنا من أي شريعة أخرى. وإذا كانت الشريعة الإسلامية- كما يقول المعارضون- قد حرمت بعض التصرفات، فإنها لم تحرم إلا ما يلحق بالناس الضرر.