الأربعاء، مايو 18، 2011

العفو عن الفاسدين ..هل نرسب في الاختبار ؟؟


لست قلقاً على مصير مصر بعد ما آلت إليه ثورتها المباركة ، فانه ما من أن أحد يشك لحظة في أن الذي فجر هذه الثورة ورعاها حتي بدأت تؤتي أكلها هو الله تبارك وتعالى ، ومن هنا فيقيني أن الذي بدأها هو راعيها وهو الذي سيحفظها ويصونها ، لكن الخوف كل الخوف ألا نتعلم الدرس ونفهمه .
لقد أخطائنا حين سكتنا عن الفساد أولا حتي تمكن من رقابنا، ثم من الله عز وجل علينا بثورة لتعيد المبادرة إلى أيدينا ثانية ، وها نحن ذا نعيش ذات الاختبار الأول : فهل نسكت على الباطل ثانيةً ، ونبيع كرامتنا وعزتنا وحريتنا لأجل الدولارات؟
لقد أنعم الله عز وجل علينا بأن مكننا من رقاب الظالمين والطغاة ، فهل يعقل أن يكون شكر هذه النعمة بأن نمنَّ عليهم بالعفو لأجل المال؟
أليست هذه أموالنا التي سرقوها من قوتنا وقوت عيالنا، فتمتعوا هم بها بينما ذقنا نحن الفقر ثلاثين عاما؟   
فعلام نفاوض ؟ وفي أي شيء؟ ومن هو الطرف الذي يقدر أن يساوم شعباً ؟؟
ما هي القوة وما هو النفوذ الذي يملكه مبارك وأعوانه ليكون نداً يعتبر ، ويعمل له ( ألف حساب )؟؟
يا أيها الرحماء الداعون للعفو والصفح : تأملوا موقف بدر !!
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عائداً من بدر استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر : يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشِيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ترى يابن الخطاب ؟ ) قال : قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان ـ قريبي ـ فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عَقِيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين . وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم .
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء : فلما كان من الغد قال عمر : فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت : يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبكى للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ) ـ شجرة قريبة .
وأنزل الله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 67، 68 ]
لقد عاتبهم الله تعالى – بل أوشك أن يعاقبهم – لأنهم عفوا عمن عذب المسلمين وصد عن سبيل الله ، والذي ربما يعود ليؤجج نار الحرب ضدهم ثانية ، فكان القتل أتم للنصر ، وأعظم عظة لمن تسول له نفسه أن يسير على نهجهم ، أو يقتفي أثرهم .
وأنا أجزم وبكل يقين : أن كل ما حققته الثورة الان – في مصر وغيرها – في كفة ، ومحاكمة المجرمين في كفة أخرى ،، وأنه لا نجاح للثورة إذا أفلت هؤلاء المجرمون .
إن هناك عبثاً ظاهراً ، ومؤامرات تتكشف خيوطها يوماً بعد آخر ،
فهناك ثلة من المأجورين ما زال لهم بعض النفوذ في حياتنا السياسية ، مع اخرين ممن أفلتوا من مقصلة الثورة ، لأنهم يملكون مهارة التلون كالحدأة ، بعض هؤلاء في الوزارة الحالية ، واخرون متسللين بين صفوف الاعلام ، يروجون للعفو المشئوم ،،
ومع هؤلاء وأولئك ، تؤثر أمور أخرى ،، كضغوطات بعض دول الخليج ،، الذين تورط الكثير من أمرائهم في تجارات ومشاريع عملاقة مع رموز النظام السابق ،، وبعضهم مهدد – الى جانب خراب بيته – بالمحاكمة والفضائح ..
إن مصر تمر بحصار ،، وتعيش مخاضا عسيراً ،، خاصة في مجال الاقتصاد ،،
لكن هذا ليس مسوغاً ، ولا ينبغي أن يلعب بقولنا المتلاعبون .
ليست دماؤنا رخيصة إلى هذه الدرجة ، ولا همتنا دنية الى هذا الحد .
إن أبناء مصر يعلمون جيداً أن الإنسان هو أصل البنيان ،،
وأنه متى وجد الرجل الحر ، النقي ، العفيف ، النظيف ، وجدت معه أسباب النجاح كلها .
أما حين يعمنا الجهل ، ويغلبنا الغباء ، لنفرط في عزتنا ، ونبيع كرامتنا ،فلبئس الشعب نحن ، ولبئست الهمة همتنا .
فلنتأمل مصيرنا ، ولنعلم أن من غلب عليه الفساد وتلوثت يداه بدماء الأبرياء ، ليس يعرف الرحمة ، ولا يتورع أبداً حين يجد الفرصة أن يضع يديه في أيدي الاعداء ، ليخون بلاده ، وينتقم من شعبه ، حينها لن ينفع الند م ، ولن تجدي الحسرات ..