موضوعات ومقالات مهمة




الثورة الخلاقة لا الفوضى الخلاقة
التاريخ:2/3/2011 - الوقت: 12:45ص



بقلم د. حاكم المطيري
جاءتني أسئلة من عدد من القراء تسأل عن هل ما يجري في العالم العربي من ثورة هو الفوضى الخلاقة التي تريدها أمريكا للمنطقة؟ وهل أمريكا لها يد فيما جرى ويجري من ثورات اليوم؟
وأقول بأن الفوضى الخلاقة نظرية سياسية تقوم على أساس الاستفادة من الاضطراب وعدم الاستقرار في المناطق الحيوية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم، وقد جاء المحافظون المسيحيون الجدد، بقيادة جورج بوش الابن، فأرادوا تطبيق هذه النظرية في العالم الإسلامي والعربي، إذ كانت الإدارات قبله تميل للمحافظة على الاستقرار الدولي بما يخدم مصالح أمريكا وحلف النيتو، فتبنى المحافظون الجدد هذه السياسة الجديدة، ولإيمانهم الديني بالنبوءات وأن العالم سيشهد اضطرابات وحروبا تمهد لنزول المسيح، فقد دفعوا باتجاه إحداث الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، للاستفادة منه في إحكام قبضة الولايات المتحدة وسيطرتها وحلفائها على العالم!
وعندما قال بوش الابن بأن حربه على الإرهاب ستكون (حربا صليبية) كان ذلك عن إيمان بما يقول، وقد قال حينها بيرجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بأنه يخجل من سيطرة العقلية الدينية الغيبية على سياسات الحكومة الأمريكية!
وقد زارنا السفير الألماني في الكويت سنة 2004م - في لقاء منشور في الصحافة الكويتية - وسألته عن هل كان الرئيس بوش يريدها (حربا صليبية) حقا؟ وكنت لا أحتاج إلى جوابه!
فأجاب بأن الرئيس الألماني وهو عالم ومتخصص في اللاهوت صرح بأن بوش الابن أسير رؤى دينية بروتستانتية وسيورط أوربا - الكاثوليكية - في حروب صليبية جديدة!
وقد كان المشروع الأمريكي للمنطقة يقتضي ضرب استقرارها وإعادة ترتيبها من جديد، وذلك بضرب مشروع سايكس بيكو والجامعة العربية - التي أوجدتها بريطانيا آنذاك لخدمة مصالحها - ورسم حدود المنطقة من جديد، بتفتيتها وتجزئتها أكثر وأكثر، بما يحقق مصالح أمريكا، وإذكاء نار الصراع والخلافات الطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية في العالم العربي، لتهيئة وتبرير التجزئة، وبناء شرق أوسط جديد، يخدم أمن إسرائيل من جهة، ويحافظ على سيطرة الولايات المتحدة عليها لقرن قادم من جهة أخرى، وقد نشر روجيه جارودي في مقدمة كتابه (الأساطير الإسرائيلية) خطة الحرب المنشورة سنة 1982 التي تقتضي تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية، وتقسيم السودان، وتقسيم مصر..الخ، وهو ما لم يجرؤ على تنفيذه إلا المحافظون الجدد في العراق حربا، وفي السودان سلما!
لقد كانت أمريكا تحرص غاية الحرص على أمن الخليج العربي واستقراره لحماية مصالحها، وكانت تخشى عليه من أي اضطراب، غير أنها وجدت بأن الفوضى التي حدثت بغزو صدام للكويت سنة 1990م حققت لها ما لم يكن في حسبانها، وفتحت لها آفاقا أوسع ليس لتعزيز سيطرتها على الخليج بشكل كامل وبانتشار قواعدها العسكرية في كل بلد، بل بفتح الطريق للسيطرة على العراق نفسه والذي تحقق سنة 2003م، فتعزز إيمان الولايات المتحدة بصحة نظرية الفوضى الخلاقة وأن الاضطراب قد يكون أنفع وأجدى لها من الاستقرار!
وقد كانت حرب احتلال أفغانستان 2001م ثم حرب احتلال العراق سنة 2003م في سياق تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، إلا أن ما حدث هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها وبعد تعرضهم للهزيمة العسكرية في أفغانستان ثم العراق، وجدوا أنفسهم بأنهم أصبحوا هم في دائرة الفوضى الخلاقة نفسها!
وقد برر ريتشارد بيل المستشار السياسي للسفير الأمريكي في الكويت سنة 2003م في زيارته الثانية لنا، بعد احتلالهم للعراق، وبعد أن واجهوا مقاومة من الشعب العراقي،وثبت لهم بأن الوضع في العراق ليس كما صوره لهم عملاؤهم العراقيون، فقالمعبرا عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وكيفية إدارتها للأزمات، وكيف سيسعون لتحقيق ما يريدون من تغيير واقع المنطقة سياسيا، وضرب على ذلك مثلا فقال:
أرأيتم هذه الطاولة وكانت أمامه وعليها كأس ماء وفنجان قهوة، إذا لم أستطع قلبها ما الذي يمكن لي أن أفعل؟
ثم أجاب على الفور سأعيد ترتيب ما عليها من جديد!
لقد أرادت الولايات المتحدة إعادة ترتيب أوضاع الدول العربية للسيطرة عليها أكثر فأكثر، من خلال التدخل المباشر وغير المباشر، وقد آثرت - حين رأت عجزها عن القيام بحرب جديدة بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق،ورأت عجز التيار الليبرالي العربي وعدم شعبيته وعدم قدرته على الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات ومن خلال الديمقراطية - أن تحافظ على حلفائها التقليديين مع إشراك الإسلاميين التقليديين في السلطة لكسب شعبيتهم، خاصة بعد أن جربتهم في أفغانستان والعراق والسودان ومصر واليمن والأردن والجزائر والكويت وغيرها من الدول، فوجدت أنهم حلفاء يمكن التفاهم معهم، وأنهم يمكن أن يحققوا حين يتم إشراكهم في السلطة استقرارا للأنظمة العربية التي يهم أمريكا وإسرائيل عدم اضطرابها، وقد قطعت الولايات المتحدة مع السودان شوطا بعيدا في مكافحة الإرهاب، وتنفيذ سياساتها دون حاجة لتغيير النظام الأصولي، ولهذا حرصت على المحافظة عليه، مع ممارسة الضغوط حين يستعصي، وتركت دعم المعارضة السودانية ذات التوجهات الليبرالية، ووجدت أن هذه الطريقة هي الأفضل لها ولمشروعها في المنطقة، ولهذا حرصت إدارة أوباما على المحافظة على الوضع القائم في مصر والجزائر وليبيا وتونس وباقي الدول العربية، وتخلت عن فزاعة الديمقراطية التي ترفعها بين الفينة والأخرى في وجه حلفائها لابتزازهم، مع الضغط لتحقيق بعض الإصلاحات في الدول الحليفة لها بما يمنع من تفجر الوضع فيها، من خلال التنفيس للمعارضة وفتح المجال للمشاركة مع السيطرة على العملية السياسية كلها!
لقد كانت الولايات المتحدة قد اقتنعت بفكرة التوريث في الدول العربية الجمهورية، ما دام ذلك سيحافظ على الاستقرار ويحقق لها مصالحها، خاصة بعد أن وجدت بأن الإسلاميين التقليديين لا يمانعون من ذلك لا في مصر ولا في اليمن ولا في ليبيا!
فكانت تريد لمصر نظاما يرث نظام حسني مبارك وبنفس سياساته، مع تحقيق بعض الإصلاحات الجزئية، التي تمنع من انهياره!
وقد قطعت الولايات المتحدة شوطا في مشروعها ذلك حتى جاءت حرب غزة، فقد أثارت المظاهرات المليونية التي خرجت في العالم العربي إبان حصار غزة قلق الدوائر الغربية من خطورة تفجر الشارع العربي فجأة، وتم عقد اجتماع تابع لحلف النيتو في البحرين، بمشاركة الحكومات الخليجية التي أصبحت جزءا من الحلف، وكان مما طرح فيه موضوع كيف يتم حفظ الأمن الداخلي للدول العربية بالجيوش العربية نفسها!
وكيف يتم تغيير استراتيجياتها لتقوم الجيوش العربية لا بحماية دولها وشعوبها وأوطانها بل بحماية الأنظمة الحاكمة وضبط الأمن الداخلي ومواجهة المظاهرات!
وقد كانت الولايات المتحدة تضغط على قيادات المؤسسة العسكرية المصرية للموافقة على تغيير إستراتيجية الجيش المصري، وذلك قبيل الثورة بأسابيع!
فجاءت (الثورة العربية الخلاقة) لتنسف المشروع الأمريكي للمنطقة من أساسه، ولتعيد ترتيب الأوراق من جديد، لا كما يريد الغرب الاستعماري، وإنما وفق ما تتطلع له الأمة وشعوبها، فكانت الثورة العربية التي لم يتوقعها أحد، ولم تخطر ببال أحد، حدثا تاريخيا مفاجأ بكل المقاييس، فقد أربك سياسة أمريكا، وأذهل أوربا، حدوث مثل هذه الثورة دون سابق إنذار ورصد، ولهذا حاولت - ولا تزال تحاول - بكل ما تستطيع وأد الثورة التونسية من خلال التدخل الفرنسي، والثورة المصرية من خلال تدخل بريطاني وأمريكي وكان آخرها زيارة رئيس الوزراء البريطاني لمصر مؤخرا، فباءتحتى الآن كل محاولاتهم بالفشل، وسقط حلفاؤهم!
فلما جاءت الثورة الليبية وكان القذافي قد أمن لهم مصالحهم النفطية، ونفذ لهم شروطهم، رأت الولايات المتحدة ضرورة كبح جماح هذه الثورة العربية، والاكتفاء بما جرى في تونس ومصر، إذ نجاحها في ليبيا سيفتح الباب على مصراعيه لتعم الثورة العالم العربي كله، وكان وأد الثورة فيها يعني إمكانية إجهاض أي ثورة قادمة، فغضوا الطرف عن المجازر الوحشية التي قامت بها كتائب القذافي مدة أسبوع كامل، حتى ضجت المنظمات الدولية من تلك الجرائم، وبعد أن نجح الثوار في السيطرة على الوضع، خرجت أمريكا من صمتها مذهولة لتتحدث عن العقوبات على النظام، وقد بدا الحزن على وجه أوباما أشد ما يكون وضوحا، وتحدث كأنه في مأتم عن ضرورة رحيل القذافي، بعد أن رأى بأن الثورة أصبحت واقعا!
إن (الثورة العربية الخلاقة) هي مشروع الأمة المرحلي - وليس النهائي - النقيض لمشروع (الفوضى الخلاقة) الأمريكي، وقد كانت الثورة ردة فعل عنيفة لتراكمات الهزيمة التي تعرضت لها الأمة منذ كامب ديفيد وأوسلو إلى سقوط أفغانستان وبغداد وحصار غزة،وبتواطئ الأنظمة، الذي كشف المشهد المأساوي للعالم العربي بكل أبعاده، حيث وجد العرب أن عدوهم ليس أمريكا وإسرائيل فقط، بل الأنظمة العربية التي تملأ السجون بهم لتمنع حتى مظاهراتهم واحتجاجاتهم ضد ممارسات إسرائيل الإجرامية! وحين تمارس قوات الأمن في بلدانهم ضدهم أبشع صور القمع حين يعبرون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني أو الشعب العراقي!
وحين يتم محاصرة المقاومة العراقية في كل مكان إرضاء للاحتلال الأمريكي، حتى لا يجد العرب بلدا يستضيف مؤتمرهم حول العراق وجرائم الاحتلال إلا في تركيا!
فكان القرار العربي الشعبي السري الصامت لنبدأ بإسقاط العدو الأول لنا، وهو هذه الأنظمة العميلة{هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله}، قبل مواجهة إسرائيل وأمريكا!
لقد كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليجمنذ احتلال بغداد، يغلي غليان القدر، ويموج موج البحر، وكانت الأرض تئن أنينا لا يسمعه إلا أهلها، وكان همس العرب في كل مكان تتوجه إليه هو(يا لثارات العراق)، وقد التقيت في عشرات اللقاءات والمؤتمرات الخاصة والعامة، ومع كل ألوان الطيف السياسي الإسلامي والقومي والوطني، فكان الجميع يتحدث عن وجوب التغيير وضرورته في العالم العربي كله، فقد كان سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي جرس الإنذار الذي تم قرعه في كل عاصمة ومدينة وقرية وبيت عربي، بأن الأوان قد حان للتغيير!
لقد زرت أكثر البلدان العربية فزرت أهل السوادن في مدنهموقراهم، من الخرطوم إلى كسلا..
وزرت أهل اليمن في جبال صعدة، وصنعاء، والضالع، وعدن، وتعز، وإب..
وزرت المغرب وسوريا والأردن ولبنان وكل مناطق جزيرة العرب والخليج العربي..
فلم أدخل بلدا ولا مدينة ولا قرية ولم ألتق أحدا إلا وكان الحديث ما هو العمل؟! وكيف نغير الواقع؟ وكيف نحرر العراق وفلسطين؟!
لقد كانت تلك النخب في المؤتمرات واللقاءات تمثل توجه الشارع العربي، فكان نحو أربعمائة مليون عربي يمتلئون غيضا وحقدا وهم يرون كيف تحاربهم حكوماتهم، وكيف تخونهم مع أعدائهم، حتى إذا وقعت حرب غزة واشترك العرب في حصارها بكل فجور، ورفض حسني مبارك فتح المعابر لضحايا الحرب، كان قرار الشعب المصري حينها أن النظام سقط، وبقي تنفيذ حكم الإعدام فيه!
لقد تحدثت في كثير مما كتبت عن الثورة ووجوبها وتوقعت حدوثها، لأنني كنت أسمع همسا لا يسمعه الملأ في أبراجهم العاجية، ولا تسمعه الاستخبارات الغربية، ولا تستطيع فهمه لو سمعته، فقد كانت الأرض العربية تئن من الطغيان والفساد والاستبداد والاحتلال، وتحن إلى الطهر والعدل والحرية والاستقلال، وكان العرب يضطرمون غيظا مما يجري حولهم، وكانوا يترقبون ساعة الصفر، دون أن يعرفوا عنها شيئا، فالجميع ينتظر، ولا يعلم من سيطلق شرارة الثورة، وفي أي بلد، ومن سيقودها، إلا أن الجميع كانوا ينتظرونها، وكانوا على أهبة الاستعداد لها!
لقد كان القرار العربي الشعبي قد اتخذ دون اجتماع، ودون نطق، ودون خطة عمل، فقد كان العقل العربي الجمعي قد اتخذ قراره في نفسه، وكتمه في صدره، ولم يبد سره، ولم يكشف خططه، وتركها لساعة الصفر، فكانت الثورة الخلاقة!
لقد شارك في القرار حتى العجائز في صعيد مصر، والشيوخ في جبال صعدة، والحرائر في صحراء جزيرة العرب، والشباب في قرى المغرب والشام!
لقد خرج الشباب الثائرون لا لأنهم تأثروا بالفيس بوك والتويتر، ولا أظن أن قرية محمد البوعزيزي في سيدي بو زيد التي فجرت الثورة، كانت متأثرة بثورة الانترنت - وإن كانت أهم أسباب نجاح الثورة بعد انطلاقتها –وإنما كان الشباب في العالم العربي من الخليج إلى المحيط يرضعون من ثدي أمهاتهم لبنا مرا، ويسمعون في بيوتهم ومن آبائهم وأهليهم زفراتهم وآهاتهم وحسراتهم وتحطم أحلامهم، ويخرجون إلى واقعهم فإذا هم يشاهدون الذل والقهر، والبطالة والفقر، فأدركوا ضرورة التغيير والتحرير الذي كان حلم آبائهم!
لقد أصدرت ملايين البيوت العربية في دواوينها ومجالسها وصالوناتها وغرفها المغلقة من الخليج العربي إلى المحيط حكم الإعدام على حكوماتها، وسمع الشباب من آبائهم وأهليهم وذويهم هذا الحكم على الواقع العربي وعلى الأنظمة الإجرامية، وبقي تنفيذ الحكم، فأضمره الشباب في قلوبهم، فلا تسمع إلا حرارة زفراتهم، وغيظهم المكنون في صدورهم وصدور آبائهم قبلهم، فقد تلقوا الأمر من أمتهم، حتى إذا حانت ساعة الصفر، ودق البوعزيزي ناقوسها وأضرم نارها، فإذا الملايين من الشباب يهرعون إلى الساحات والميادين لينفذوا حكم الإعدام في الأنظمة الخائنة، فكانت (الثورة العربية الخلاقة)، وما زالت الثورة في بدايتها، وما زالت المهمة لم تستكمل.
منقول من مجلة مؤتمر الأمة.




       معهد "ممري" الصهيوني
عبد العزيز كحيل
"ممري" اختصار انجليزي لاسم "معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط"، وهو مؤسّسة صهيونيّة غاية في الخطورة يجب علينا أن نعرف حقيقتها لنحذر شرّها ونواجهها بالطرق المناسبة.
هذا المركز أنشأه اليهود منذ أكثر من عشر سنوات ليتولّى رصد ومتابعة كلّ صغيرة وكبيرة تتناولها وسائل الإعلام العربيّة والإسلاميّة وتتعلّق بالكيان الصهيوني بصفة عامة واليهود بصفة خاصة ، لديه فرق عمل تشتغل على مدار الساعة تستمع للإذاعات وتشاهد الفضائيات وتقرأ الصحف والمواقع الالكترونيّة ثم تنتقي كلّ ما يتعلّق بالإسلاميّين (خاصّةً) وموقفهم من اليهود ودولة الاحتلال وكلّ ما له علاقة بما يسمّونه " العداء للساميّة " أي انتقاد السيّاسات الصهيونيّة، ثمّ تلخّص المواضيع المنتقاة وتضعها تحت تصرّف الجهات المعنيّة كالحكومات والهيئات القضائيّة ووسائل الإعلام ، كما ترسلها عبر البريد الالكتروني إلى المشتركين في موقع المركز.
يستعمل المركز في عمله اللغات العربيّة والتركيّة والفارسيّة والأردية والباتشو، فيرصد ما يُبثّ ويُكتب بها في مساحة جغرافيّة تمتدّ من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى ثم يقوم بترجمته إلى اللّغات الّتي يحتاجها لتبليغ رسالته ، وهي – بالأساس – اللغات الغربية والروسية ، وهذا عمل ضخم تعضده ترسانة من الإمكانيات المادية والبشريّة، لذلك يتولّى تسيير المركز فريق دوليّ متواجد بواشنطن – المقرّ الرئيسي -  وبغداد والقدس وروما وشنغهاي، مهمّته إنتاج و توزيع الوثائق والإشراف على المواقع الالكترونيّة للمركز ليغطيّ نشاطه العالم كلّه .
ويكفي أن نذكر أن هذه المؤسّسة وضعت في سنة 2009 وحدها 15000 تقريراً مترجماً في مواقعها وترجمت حوالي 1600 مقطعاً تلفزيونياً مُلتقط من فضائيات الشّرق الأوسط في الموضوعات الّتي تخصّصت فيها وهي بالدّرجة الأولى:
·        "التهديد الجهادي" في العالم.
·        السّلطة الفلسطينيّة.
·        حركة حماس.
·        حزب الله اللبناني.
·        الجبهة الصوماليّة وانعكاساتها على العالم.
·        العراق.
·        أفغانستان.
·        البرنامج النّووي الإيراني
مع العلم أن الهمّ الأوّل يبقى بطبيعة الحال ما يطلقون عليه " معاداة الساميّة " وهي عبارة تشمل أي نقد للعدوّ الصهيونيّ ولليهود عامة صدر في إذاعة أو قناة فضائيّة أو صحيفة أو موقع الكتروني.
وتجدر الإشارة إلى أن توقيف بث قناة الأقصى كان وراءه هذا المركز الّذي اعتاد التّركيز على ما يُبثّ في المحطّة مما يعتبره معاداةً لليهود كالدعوة إلى المقاومة والجهاد، وقد دعا صراحةً منذ مدّة إلى إغلاق الفضائيّة ونبّه الحكومات الغربيّة إلى خطرها.
واللافت إلى الانتباه أن " ممري "  يعتدّ أيّما اعتداد بمن يسميهم " علماء الإسلام المعتدلين " ، ويشيد بهم مرّةً بعد مرّة ويركّز على فتاويهم وتصريحاتهم ومواقفهم، وهو يقصد أولئك العلمانيّين الّذين يدّعون العلم الشرعي ويتبنّون من المواقف كلّ ما هو ضدّ الثوابت والحقوق الإسلاميّة ويزعمون رفع لواء التّآخي مع اليهود بأسماء شتّى كوحدة الأديان وحوار الحضارات ومحاربة التطرّف والإرهاب، وأورد مثالين على ذلك:
1.     في نشرته الالكترونيّة باللّغة الفرنسيّة ليوم 4  –5 – 2010  نشر المركز تقريراً مطوّلاً بعنوان: " مفكّرون فرنكوفونيون ضد النقاب "  نقل فيه أقوال مجموعةً من الأشخاص "المسلمين" المعروفين بتوجّهاتهم العلمانيّة يعربون فيها عن رفضهم للنقاب، بل للحجاب، بل لأحكام الشريعة كلّها الّتي يدعون إلى إعادة قراءتها بشكل " يتوافق مع العصر" ، نذكر من هؤلاء: عبد الوهاب مدّب, ودليل بوبكر, وحسن شلغومي (وهو إمام مسجد قرّت به أعين العلمانيّين واليهود), وليلي بربس, ودنيا بوزار.
ولا يجد قارئ لتصريحاتهم فرقاً يُذكر بينهم وبين غلاة اللادينيين الرافضين للإسلام وأحكامه وأخلاقه وقيمه.
2.     في نشرته ليوم 25 –6 – 2010 وبالفرنسيّة أيضاً خصّص المركز مقالاً للمدعو جمال البنا عنوانه: " جمال البنا – عالم الإسلام – يقول:يمكن للمرأة أن تؤمّ الرّجال في الصّلاة "، والمقال كلّه ثناء على هذا الرّجل المعروف بشذوذه الفكري واجترائه على دين الله تعالى، وقد كرّر هنا مقولاته المشهورة الّتي يُخطّأ فيها جميع علماء المسلمين ويستهزأ بهم، إلى جانب كثير من آرائه الاستعراضيّة المعروفة، مع العلم أن المقال المذكور ملخّص لحصّة مع الشيخ الّذي طال عمره وساء عمله في قناة "المحور". 
*   مشاريع مستقبليّة: يعمل المركز الصّهيوني على إنجاز مشاريع هي غاية في الخطورة، دعا أنصاره إلى التبرّع بسخاء لإتمامها، أهمّها :
§        مشروع دراسي حول الجهاد والإرهاب، " هذه الإيديولوجيا والمنظّمات الإسلاميّة الّتي تهدّد الغرب "، وهو مشروع يرصد أنشطة الجماعات الّتي تدعو إلى الجهاد والاستشهاد في المساجد والمدارس ووسائل الإعلام (هكذا يقول المركز حرفيّاً).
§        مشروع الإصلاح : ويهدف إلى "منح التقدميين منبراً يتيح لهم إبلاغ صوتهم لمجتمعاتهم وقادتها الدينيّين والسياسيين والتربويين، كما يُعطي أصحاب القرار الغربيين أسساً صلبةً لمخطّطاتهم الاستراتيجيّة على المدى البعيد".
§         مشروع توثيق حول معاداة الساميّة: يرصد ويسجّل مواضيع معاداة الساميّة في وسائل الإعلام العربيّة والفارسيّة والتركيّة من جرائد وتقارير وافتتاحيّات وغيرها.
§        المراقبة الصحفية لوسائل الإعلام العربيّة والإيرانيّة ، مع العلم أن "ممري" يتابع بث 50 قناة عربيّة وإيرانيّة ليل نهار.
§        مشروع بحث حول إيران: يرتكز حول البرنامج النّوويّ الإيراني، تطوير الصواريخ الإيرانيّة، خطب الجمعة، والمعركة بين المعارضين الإصلاحيّين والحكومة الإيرانية.
*** لم أكتب هذا الموضوع لنلعن اليهود ونندب حظّنا, ولكن لندرك كيف استطاعوا بالعمل الدقيق الدؤوب أن يتفوّقوا علينا علميا وإعلاميا وسياسيا ، والمطلوب منّا إذن ليس التخندق في مغارات الشجب وعقلية المؤامرة وإنما المبادرة إلى عمل مماثل يخدم قضايانا ويفضح باطل اليهود المعتدين ، ولنا أن نتساءل ماذا لو أنفق العرب على مركز أبحاث متخصّص عُشر ما ينفقه بعضهم على قنوات الغناء والفواحش ؟                                              

                                                    __________________________________

                                                                  لم يكن شاعر الرسول جباناً ؟!

نقرأ كثيراً عن مواقف لشاعر الرسول ( حسان بن ثابت ) رضي الله عنه ،، في بعض كتب السير والتواريخ ،، يتوهم البعض منها - أو تدل القصة بسياقها وأحداثها فعلا - على ان حسان كان جباناً ،،
وجدير بنا أن ننظر بعين النقد والتمحيص لمثل هذه الاحداث التي تنتشر في ثنايا بعض كتب الاسلام ،، فنعرضها على قوانين النقد والتحليل المعروفة ،، لنتبين صحتها من عوارها .
ولئن كنا نتسامح في التواريخ والسير ، ونرى أن عرضها على قواعد الجرح والتعديل لن يبقي فيها من أثر ولا يذر ،، اللهم إلا من أحداث مبتورة لا يلتئم منها شملا ينهض لتشكيل تاريخ دولة كالدولة الاسلامية العريقة ،، ان كان ذلك هو الاصل شبه المتفق عليه إلا أنه حين يكون الامر ذا صلة بالطعن في ( جيل الصحابة الاخيار ) والنيل منهم ينبغي حينها أن يتغير الموقف ، وتتبدل السياسة .
شغلني الامر جداً حين قرأت قصة حسان - رضي الله عنه - أثناء الخندق مع سيدتنا صفية رضي الله عنها ،، وجبنه عن قتل اليهودي ،، وقفت لأتأمله وأتسائل : هل يليق هذا بصحابي جليل كحسان الشاعر الذي طارت قصائد هجائه للشجعان من أعداء الاسلام وبلغت ما بلغت ؟؟
دفعني حسي هذا ألا انتظر ،، فبحثت لأجد رداً ملخصاً على الامر ،، ثم كتاباً في الموضوع ،، وها انا ذا اتحفكم بهما متتاليين

الرد الملخص : من ( ملتقى اهل الحديث ) بقلن الاخ الفاضل / احمد بن سالم المصري ، جزاه الله خيراً :
دفاع عن حسان بن ثابت – رضي الله عنه .

إنَّ الناظِرَ في كُتُبِ التواريخِ والتراجمِ في ترجمةِ هذا الصحابي يجدُ أنّها تتابعت على أمرين:
الأول: نقل الأحاديث المسندة التي احتجوا بِها في وصفِه بالْجبنِ، دون الحكم على أسانيدها.
الثاني: نقل كلام المؤرخين والْمُترجِمِين الذين وصفوه بالْجُبن، دون أدنى إنكار، إلا من بعضهم.

أولاً: بيان ضعف وبُطلان هذه الأحاديث التي احتجوا بِها:
1- أخْرجَ ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (12/413) مِن طريقِ الزُّبَيْر بْنِ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ [أنَّ]([1])حَسَّانَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ
لَـقَدْ غَدَوْتُ أَمَامَ الْقَوْمِ مُنْتَطِقاً *** بِصَـارِمٍ مِثْلَ لَـوْنِ الْمِلْحِ قَطَّـاعِ
تَحْفِزُ عَنِّي نِجَادَ السَّيْفِ سَابِغَةٌ *** تَغْشَى الأَنَامِلِ مِثْلُ لَوْنِ النَّهْيِ بِالْقَاعِ
قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ ضَعْفِهِ وَجُبْنِهِ.
قُلتُ: هذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً؛ مُسلسلٌ بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين "عبد الله بن مصعب" وبين أحداث هذه القصة، فإنّه وُلِدَ عام (114هـ)([2]).
الثانية: عبد الله بن مصعب، هو ابن ثابت، قال يحيى بن معين: [كان ضعيف الحديث، لم يكن عنده كتابٌ، إنما كان يحفظ]([3])، وقال أبو حاتم: [هو شيخ، بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد]([4]).
الثالثة: علي بن صالح، هو المدني، قال الحافظ ابن حجر: [مَسْتور]([5]).
2- قصة حسان بن ثابت مع صفية بنت عبد المطلب وقتلها الرجل اليهودي:
هذه القصة وردت مِن طرقٍ كثيرة وهي على قسمين:
الأول: طرق شديدة الضعف، وهي التي بِها الزيادات المنكرة التي صرّحت بِجُبنِ حسان.
الثاني: طريقان مرسلان عن عروة بن الزبير، وعباد بن عبد الله بن الزبير.
أولاً: بيان وتخريج الطرق شديدة الضعف لهذه القصة
1- أخرج أبو يعلى في "مسنده" (683)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/429-430) مِن طريقِ مُحَمَّد بْنِ الْحَسَنِ الْمَدَنِيِّ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدِّهَا الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ يوم أُحد بِالْمَدِينَةِ، خَلَّفَهُنَّ فِي فَارِعٍ، وَفِيهِنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَخَلَّفَ فِيهِنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَيَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ لِحَسَّانَ: عَنْدِكَ الرَّجُلُ، فَجَبُنَ حَسَّانُ، وَأَبَى عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَتْ صَفِيَّةُ السَّيْفَ فَضَرَبَتْ بِهِ الْمُشْرِكَ حَتَّى قَتَلَتْهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَرَبَ لِصَفِيَّةَ بِسَهْمٍ كَمَا كَانَ يَضْرِبُ لِلرِّجَالِ.
قلتُ: هذا إسنادٌ موضوع؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: جعفر بن الزبير بن العوام، مجهول الحال([6])
الثانية: أم عروة، لم أجد لها ترجمة.
الثالثة: محمد بن الحسن المدني، هو ابن زَبَالة، قال الحافظ: [كَذَّبوه]([7])
وقال الحافظ ابن حجر - تعليقاً على الإسناد السابق -:[تابع "ابن زَبَالة" عليه "إسحاق بن محمد بن أبي فروة"، وهو مِن رجال البخاري، فرواه عَن أم عروة، أخرجه البزار مِن طريقه، وسياقه أتَمّ]([8])
قلتُ: هذه المتابعة، وردتَ عن "إسحاق بن محمد بن أبي فروة" مِن عدة طرق:
الطريق الأول: أخرجه البزَّار (2/333-334/1807-كشف الأستار)، قال:
حدَّثنا عبد الله بن شبيب، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، قال: حدثتني أم عروة بنت جعفر بن الزبير، عن أبيها، عن جدها الزبير بن العوام، به مطولاً.
قلتُ: وهذه متابعة لا يُفرح بِها، لأنَّ "عبد الله بن شبيب" هذا ساقط، قال ابن حبان: [يقلب الأخبار ويسرقها]، وقال فضلك الرازي: [يحلُّ ضربُ عُنقه].
الطريق الثاني: أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (7493) من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثتنا (أم عروة)([9])، عن أبيها جعفر، عن الزبير، عن صفية، به مطولاً، وشك الراوي في كون هذه الحادثة في غزوة أحد أم الخندق.
الطريق الثالث: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/321-322/809)، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثتنا أم عروة بنت جعفر بن الزبير، عن أبيها، عن جدتِها صفية، به مطولاً، وذكر الراوي أنَّ هذه الحادثة كانت في غزوة أحد.
الطريق الرابع: أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/50-51) من طريق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثتنا (أم عروة)([10]) بنت جعفر بن الزبير، عن أبيها، عن جدها الزبير، عن أمه صفية، به مطولاً، ولكن ذكر الراوي أنَّ هذه الحادثة كانت في غزوة الخندق.
قلتُ: وهذه الأسانيد مدارها على إسحاق بن محمد الفروي، قال الحافظ: [صدوق كُفَّ فساء حفظه]، وقد اضطرب فيها أيضاً في الإسناد ، فتارة يرويه موصولاً، وتارة يرويه منقطعاً بإسقاط الزبير من الإسناد.
وقد اضطرب أيضاً في المتن، فتارة يذكر أنَّ هذه الحادثة كانت في غزوة أحد، وتارة يذكر أنّها كانت في غزوة الخندق، وتارة يروي ذلك على الشك.
وأضِف إلى ذلك العلتين السابقتين، وهما: جهالة جعفر بن الزبير، وأم عروة، فالإسناد على كل حال ضعيف جداً، لا يصلح في الشواهد والمتابعات.
2- أخرج ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/432)، والْمِزِّي في "تَهذيب الكمال" (2/98-ط2.الرسالة) مِن طريقِ الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، فذكر الحديث مطولاً وبه زيادات منكرة.
قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين "مصعب بن ثابت" وبين "عبد الله بن الزبير".
الثانية: مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال الحافظ:[لين الحديث، وكان عابداً]([11]).
الثالثة: عبد الله بن مصعب بن ثابت، قال يحيى بن معين: [كان ضعيف الحديث، لم يكن عنده كتابٌ، إنما كان يحفظ]([12])، وقال أبو حاتم: [هو شيخ، بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد]([13]).
الرابعة: علي بن صالح، هو المدني، قال الحافظ ابن حجر: [مَسْتور]([14]).
3- أخرج الواقدي في "المغازي" (2/264-265)، قال: وحدثني شيخ من قريش قال: كان حسان بن ثابت رجلاً جباناً، فذكر الحديث مختصراً.
قلتُ: هذا إسنادٌ موضوع، مسلسل بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين الشيخ القرشي، وبين أحداث القصة.
الثانية: جهالة الشيخ القرشي.
الثالثة: الواقدي، هو محمد بن عمر([15])، قال أحمد بن حنبل: [هو كذاب]، وقال الشافعي: [كتب الواقدي كلها كذب]، وقال النسائي: [الكذابون المعروفون بالكذب عن رسول الله أربعة: الواقدي بالمدينة،..].

بيان وتخريج الطريقين المرسلين عن "عروة بن الزبير" و "عباد بن عبد الله بن الزبير"
1- مرسل عروة:
قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (10/41): أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِقِتَالِ عَدُوِّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ رَفَعَ أَزْوَاجَهُ وَنِسَاءَهُ فِي أُطُمِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، لأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْصَنِ آطَامِ الْمَدِينَةِ ، وَتَخَلَّفَ حَسَّانُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءَ يَهُودِيُّ فَلَصِقَ بِالأُطُمِ يَسْتَمِعُ وَيَتَخَبَّرُ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِحَسَّانَ: انْزِلْ إِلَى هَذَا الْيَهُودِيِّ فَاقْتُلْهُ، فَكَأَنَّهُ هَابَ ذَلِكَ، فَأَخَذَتْ عَمُودًا فَنَزَلَتْ، فَخَتَلَتْهُ حَتَّى فَتَحَتِ الْبَابَ قَلِيلاً قَلِيلاً، ثُمَّ حَمَلَتْ عَلَيْهِ فَضَرَبَتْهُ بِالْعَمُودِ فَقَتَلَتْهُ.
وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (24/319/804): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ أَدْخَلَ النِّسَاءَ يَوْمَ الأَحْزَابِ أُطُماً مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَجُلا جَوَاداً، فَأَدْخَلَهُ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ فَجَاءَ يَهُودِيٌّ، فَقَعَدَ عَلَى بَابِ الأُطُمِ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: انْزِلْ حَسَّانُ إِلَى هَذَا الْعِلْجِ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَجْعَلَ نَفْسِي خَطَراً لِهَذَا الْعِلْجِ ، فَائْتَزَرْتُ بِكِسَاءٍ وَأَخَذْتُ فِهْراً، فَنَزَلْت إِلَيْهِ فَقَطَعْت رَأْسَهُ.
وأخرج الحاكم في "المستدرك" (4/51) من طريق يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن صفية بنت عبد المطلب، قال: عروة وسمعتها تقول: أنا أول امرأة قتلت رجلاً، كنتُ في فارع حصن حسان بن ثابت وكان حسان معنا في النساء والصبيان حين خندق النبي ، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، فقلت لحسان: إن هذا اليهودي بالحصن كما ترى ولا آمنه أن يدل على عوراتنا، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقم إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: فلما قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت وأخذت عموداً من الحصن، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن، فقلت يا حسان: انزل فاستلبه فإنه لم يمنعني أن أسلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة.
قلتُ: وهذه الطرق تدور على "عروة بن الزبير"، وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك" (4/51): [عروة لم يدرك صفية]، فالإسناد منقطع، وأيضاً وقع الاضطراب في تحديد الغزوة أهي غزوة أحد أم الخندق.

2- مرسل عباد بن عبد الله بن الزبير:
قال ابن إسحاق - كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (3/155):
[ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، قَالَ: كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ؛ قَالَتْ: وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ .
قَالَتْ: صَفِيّةُ فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ج وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا، وَرَسُولُ اللّهِ ج وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ.
قَالَتْ: فَقُلْت: يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا آمنه أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللّهِ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا ابنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا، قَالَتْ: فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئاً، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُوداً، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتّى قَتَلْته.
قَالَتْ: فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ.
فَقُلْت: يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلا أَنّهُ رَجُلٌ.
قَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا ابنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ]. انتهى.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف، للانقطاع بين "عباد" وبين أحداث القصة.
فخلاصة القول في هذين الطريقين المرسلين أنَّ الحديث ضعيف بمجموعهما، وقد ينازع البعض في تحسين الحديث بِهذين الطريقين، فنقول: لو صحَّ الحديث بمجموع هذين الطريقين، فليس فيهما ما يفيد إثبات أنَّ حساناً كان جباناً، بل ليس فيهما إلا أنَّ صفية أرادت من حسان أن يقتل رجلاً يهودياً يجلس على باب الحِصن، فأبى حسان أن يقتله، ولم نعرف سبب امتناعه، فقتلته صفية، وأرادت من حسان أن يسلبه فأبى أيضاً، إلى هنا انتهى ما في الطريقين المرسلين، فتناقل هذه القصة الكذابون والمجاهيل فأضافوا وغَيَّروا فيها، ليثبتوا هذه التهمة لهذا الصحابي الجليل، فواغوثاه بالله.
ثانياً: أقوال المؤرخين والْمُترجِمِين الذين وصفوه بالْجُبن:
إنَّ ما تناقله المؤرخون في وصف حسان بن ثابت بِهذه الصفة، ليس عليه دليل كما تقدم ذكره، ولكني أتعجب من تتابعهم على ذكر ذلك، وإليك بعض أقوالهم:
قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: [ حسان بن ثابت كان لسنا شجاعاً، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا شهده]([16])
وقال ابن سعد: [ ولم يشهد مع النبي مشهداً، وكان يجبن]([17])
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: [وقد كان حسان يجبن في آخر عمره]([18])
وقال ابن قتيبة الدينوري: [لم يشهد مع النبي مشهداً، لأنه كان جبانا]([19])
قلتُ: وهذا كلامٌ ساقطٌ، وافتراء على هذا الصحابي، ولا يوجد عليه دليل صحيح، وقد تتابع المؤرخون على نقل هذا الكلام، فواغوثاه بالله.

خاتمة البحث
1- لم يصح حديثٌ في إثبات أنَّ حسان بن ثابت كان جبانًا.
2- لو نازع أحدٌ في إثبات القصة التي حدثت بين حسان وصفية - وذلك بمجموع الطريقين عن عروة بن الزبير وعباد بن عبد الله، فنقول: إنَّ مجموع الطريقين يدلّ على امتناع حسان مِن قتل اليهودي فقط، وليس فيهما بيان سبب امتناعه، فلا يصح أنْ نحملَ ذلك على الجبن.
3- ما تناقله المؤرخون وأهل السير من وصف حسان بالجبن، هو اعتماداً على ما ذكروه من الروايات الباطلة والمنكرة.
4- لو كان حسان جباناً كما يقولون لهجاه الشعراء بذلك، فإنه قد هجا قوماً فلم يهجه أحدٌ منهم بالجبن.
قال الإمام أبو العباس المبرد: [وحُدِّثْتُ أنَّ الأصمعيَّ قال: الدليلُ على أنَّ حَسَّاناً لم يكن جباناً مِن الأصل أنّه كان يُهاجي خَلْقاً فلم يعيره أحدٌ منهم]([20]).انتهى.
5- ما تناقله المؤرخون أنّ حساناً لم يشهد مع النبي مشهداً، فهذه دعوى لم يقم عليها دليل صحيح، ولا يجوز حمل ذلك - لو صحّت- على الْجُبن، لبطلان الأدلة على ذلك كما قدمنا، وأيضاً لو تخلّف حسان عن المشاهد جُبناً لَحَدَثَ معه مثل ما حدث مع الثلاثة الذي خُلِّفوا في غزوة تبوك.
ولو صحَّت دعواهم في عدم شهوده المشاهد، فذلك لأنَّ حساناً حينما دخل في الإسلام كان عمره (60سنة)، فكان رجلاً كبيراً.
6- وأخيراً أنصح إخواني بأنْ يبدؤوا بقراءة كُتُب السير والتواريخ التي تحتوي على الصحيح فقط، أما الكتب التي اشتملت على الصحيح والضعيف - دون تمييز بينها-، والذي لا يستطيع أن يُميز بينهما إلا أهل العلم، فهذه الكتب لا تصلح إلا للمتخصصين من أهل العلم.

ـــــــــــ
([1]) ساقط من النسخة المطبوعة، والسياق يقتضيها.
([2]) "سير أعلام النبلاء" (8/517).
([3]) "تاريخ بغداد" (11/419-ط.دار الغرب الإسلامي).
([4]) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/178/833).
([5]) "تقريب التهذيب" (4752-ط.دار ابن رجب).
([6]) ذكره الحافظ في "تَهذيب التهذيب" (2/92)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
([7]) "تقريب التهذيب" (5815-ط.دار ابن رجب).
([8]) "المطالب العالية" (16/593).
([9]) في المطبوع: "أم جعفر"، والتصويب من مصادر التخريج.
([10]) في المطبوع: "أم فروة"، والتصويب من مصادر التخريج.
([11]) "تقريب التهذيب" (6686-ط.دار ابن رجب).
([12]) "تاريخ بغداد" (11/419-ط.دار الغرب الإسلامي).
([13]) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/178/833).
([14]) "تقريب التهذيب" (4752-ط.دار ابن رجب).
([15]) "تَهذيب التهذيب" (9/363-368).
([16]) "تاريخ دمشق" (12/433).
([17]) "الطبقات الكبرى" (4/322).
([18]) "تاريخ دمشق" (12/429).
([19]) "الشعر والشعراء" (1/305-ط.دار المعارف).
([20]) "الفاضل" لأبي العباس المبرد (ص13-ط.دار الكتب المصرية).

،،
أما عن الكتاب فهو ( حسان بن ثابت ليس جبانا ) للتحميل من هنا:  http://www.brooonzyah.net/vb/t98378.html